شهدت بطولة العالم للفورمولا 1 تغييراتٍ جذرية في قوانينها التقنية العام الماضي، كانت أهدافها عديدة، وذلك لتعزيز أهمية الفورمولا 1 كالفئة الملكة لرياضة المحركات. الآن، وبعد مضي 12 شهرًا، هل يمكننا اعتبار تلك الحقبة الجديدة ناجحة أم فاشلة؟ لنتحدث عن ذلك سويةً…
عندما قامت شركة ليبيرتي ميديا بالاستحواذ على حصص الأكثرية في الفورمولا 1 مع الاستعداد لموسم 2017، ترافق ذلك مع تغييراتٍ ملحوظة في قوانين الانسيابية لذلك الموسم، والتي أثمرت عن زيادة سرعة السيارات، ولكنها ترافقت، أيضًا، مع صعوبة التجاوزات ووجود فروقات كبيرة في الأداء بين مختلف الفرق.
الجانب الأولى، صعوبة التجاوزات، كانت نتيجة اعتماد السيارات بشكلٍ كبير على الأجنحة لتوليد الارتكازية والتمتع بأداء عالي، وعلى القطع الانسيابية، وبالتالي كانت هناك صعوبة في مطاردة السيارات لبعضها البعض إثر تأثر تأدية السيارة المُلاحِقة بشكلٍ كبير عند مواجهة اضطراب التيارات الهوائية التي كانت تصطدم بالأجنحة الأمامية المعقدة.
الجانب الثاني كان نتيجة تفاوت الإمكانيات والموارد بين مختلف الفرق، إضافةً إلى وجود العديد من الثغرات والمناطق الرمادية في القوانين التي كانت تفسح المجال أمام التوصل إلى ابتكارات من شأنها المساهمة في اتساع الفارق.
لذلك، كانت أهداف إدارة الفورمولا 1 الجديدة، بالتعاون مع الاتحاد الدولي للسيارات، هي إجراء دراسات مكثفة، وتفصيلية، لضمان معالجة نقاط الضعف هذه، ولضمان وضع مجموعة متكاملة من القوانين التقنية والرياضية التي من شأنها حل كافة المشاكل التي تواجهها البطولة.
كان الهدف باعتماد الحقبة الجديدة في 2021، ولكنه تأجل إلى 2022 إثر جائحة كوفيد-19. وبعد موسمٍ كاملٍ من السباقات في ظل هذه القوانين الجديدة، يمكننا القول أنها عالجت العديد من المشاكل السابقة بنجاح، ولكن في الوقت ذاته لا بد لنا من إدراك استمرار وجود العديد من المشاكل التي لا بد من إيجاد الحلول لها في الفترة المقبلة.
إذ أن التجاوزات أصبحت أكثر، كما أن بإمكان السائقين مطاردة بعضهم البعض دون تأثر السيارات باضطرابات التيارات الهوائية، إثر التصميم الأبسط للأجنحة الأمامية إضافةً إلى الاعتماد على الأرضية لتوليد القسم الأكبر من الارتكازية، إضافةً إلى تصميم إطارات لا تتآكل بسهولة أثناء مطاردة سيارة أخرى، وهذا الأمر انعكس بشكلٍ إيجابي على جودة السباقات.
ولكن من جهةٍ أخرى، تبقى هناك مشكلة أساسية: الفارق الكبير في مستويات الأداء بين مختلف الفرق. مرةً أخرى، كان لدينا مجموعة في الصدارة، وهم ريد بُل، فيراري، ومرسيدس، وخلفهم فرق متوسط الترتيب بفارقٍ كبير.
في الواقع، فإن المرة الوحيدة التي شهدت عدم صعود أحد سائقي هذه الفرق الثلاثة إلى منصة التتويج طوال موسم 2022 جاءت في إيمولا، مع سائق فريق ماكلارين لاندو نوريس، في ما عدا ذلك فإن المراكز الثلاثة الأولى في السباقات الرئيسية كانت محجوزةً على الدوام لثلاثي فرق الصدارة بسائقيهم الستة.
الفورمولا 1 اتخذت إجراءات لمعالجة هذه النقطة، وهي بدأت منذ 2021 في الواقع، ممثلةً بالقيود على الميزانيات، مع تقييد الفرق وضمان تمتع كل فريق بمستويات الإنفاق ذاتها، نظرًا لأن الفارق كان هائلًا في السابق مع إنفاق فريق مثل فيراري لما يفوق 400 مليون دولار أميركي، فيما كان فريق مثل هاس يكتفي بحوالي 100 مليون دولار فقط.
ولكن هذا الأمر كان يعني أن لدى كافة الفرق الموارد ذاتها، وبالتالي فإن الفرق المتأخرة ليست لديها ميزات لإنفاق المزيد، أو للتمتع بميزانيات أعلى من فرق الصدارة، لتقليص الفارق.
حسنًا، هناك إمكانية استخدام النفق الهوائي لفترةٍ أطول، إمكانية إجراء اختبارات انسيابية أكثر، للفرق المتأخرة، ولكنها لن تساهم في تقليص الفارق بسرعة كبيرة.
كما أن هناك مشكلة استمرار وجود ثغرات في القوانين التقنية تمكّن بعض الفرق من إيجاد ‘حلول سحرية’.
الفورمولا 1 بدأت بالفعل بمعالجة هذه المشاكل، من خلال إغلاق تلك الثغرات أولًا بأول، وضمان تقليص الفارق بين مختلف الفرق، ولكن هذا الأمر لن يحصل بسرعة، وقد يحتاج بضعة مواسم، وعلينا ألا ننسى أن بانتظار البطولة حقبة جديدة من القوانين في 2026 تترافق مع اعتماد صيغة جديدة لوحدات الطاقة، ما من شأنه إنشاء المزيد من الثغرات وبالتالي العودة إلى اتساع الفارق.
هدف الفورمولا 1 الأساسي في الفترة الماضية هو ضمان صعوبة التنبؤ بنتائج السباقات، وضمان إمكانية وجود ذلك ‘الفائز المفاجئ’، وتمتع كافة الفرق بفرصة المنافسة في الصدارة.
هنا، في هذا المجال فقط، تكون سلسلة إندي كار الأميركية أفضل من الفورمولا 1، مع تنوع المنافسة في الصدارة من سباقٍ إلى آخر، ولكن في الوقت ذاته علينا أن لا ننسى أن سلسلة إندي كار تعتمد هياكل موحدة بين كافة السيارات، وأنها منخفضة التكاليف بفارق كبير مقارنةً مع الفورمولا 1، وبالتالي من الطبيعي أن تكون مهمة تقليص الفارق أصعب في البطولة.
الآن، نحن على بعد 24 ساعة عن انطلاق التجارب الشتوية لموسم 2023، والتي تستضيفها حلبة البحرين الدولية، والتي من شأنها أن تمنحنا المؤشر الأول والمبدئي للمستويات التنافسية لكل فريق.
هل سنشهد تقاربًا في الأداء؟ حسنًا، لن نتابع منافسة هاس على بطولة العالم بشكلٍ مفاجئ، ولكن على الأقل هل نرى غياب تلك الفجوة الكبيرة بين الثلاثة الكبار، وبقية المنافسين؟ فترة قصيرة، وسنكتشف إن كانت الفورمولا 1 مستمرة في سلوك الاتجاه الصحيح الذي كانت قد بدأته العام الماضي.