نقترب من انطلاق موسم 2023 من بطولة العالم للفورمولا 1. أسابيع وتبدأ الفرق بالكشف عن سياراتها الجديدة، ومن بعدها تنطلق مجريات الموسم مع التجارب الشتوية، ثم الجوائز الكبرى. موسمٌ، ربما يجد البعض صعوبةً في إيجاد الحوافز له، ولكن كمشجعين عرب للفورمولا 1، علينا الافتخار والاستمتاع بموسمٍ مميز وسيكون تاريخيًا بالتأكيد.
ما الذي يميز موسم 2023، إذاً، بالنسبة لنا؟ لننظر إلى الروزنامة، أطول روزنامة في تاريخ الفورمولا 1، مع 23 جائزة كبرى من مختلف أنحاء العالم، في أوروبا، في آسيا، في الأمريكيتين.
لكن ما يميز هذا الموسم هو، بدون شك، وجود 4 جوائز كبرى في منطقة عربية. 4 جوائز كبرى، البداية من حلبة البحرين الدولية، ومن ثم تتجه الفورمولا 1 إلى حلبة كورنيش جدة الساحرة التي تستضيف جائزة السعودية الكبرى، ومن ثم مع الاقتراب من نهاية الموسم نتجه إلى حلبة لوسيل وجائزة قطر الكبرى، ومسك الختام، كما جرت العادة، مع جائزة أبوظبي الكبرى في حلبة مرسى ياس.
منطقتنا لم تعد مجرد محطة تزورها الفورمولا 1 في جدول روزنامتها، لزيادة التنوع ولاكتشاف أسواق جديدة، لا. منطقة عربية أصبحت محطة أساسية، ومحورًا من محاور مواسم بطولة العالم للفورمولا 1، وجزء لا يتجزأ منها.
لننظر أيضًا إلى تلك الحلبات التي تستضيف سباقات الفورمولا 1 في العالم العربي، هي ليست مجرد حلبات مملة لمتابعة السيارات تستعرض أمام الجماهير، وإنما هي حلبات مميزة، لكل منها خصائص تجعلها فريدة من نوعها.
البداية مع حلبة البحرين الدولية في الصخير، التي أصبحت إحدى الحلبات “الكلاسيكية” في الفورمولا 1، وهي متواجدة في هذه الفئة الملكة لرياضة المحركات منذ 2004، ومميزة باعتمادها على الكبح الجيد، التسارع الفعال من المنعطفات، والثبات عبر القسم الثاني المميز بمنعطفاته، خصوصًا ذلك المنعطف العاشر الذي يعتبر من المنعطفات الأصعب في البطولة، مع انحدار المسار وتوجهه نحو اليسار، ما يتطلب إعداداتٍ خاصة بالترس التفاضلي لضمان انعطاف السيارة بشكلٍ جيد وبفعالية.
حلبة البحرين الدولية أصبحت مميزة بسباقاتها الحماسية، عدم القدرة على التنبؤ بالاستراتيجيات، ومع تواجدها كجولةٍ افتتاحية، فإن الفوز بهذا السباق يعتبر مميزًا لكافة السائقين الذين يتنافسون في الفورمولا 1.
كما أن حلبة البحرين الدولية، متنوعة الخصائص، أصبحت “الوجهة الأساسية” لفرق الفورمولا 1 لإجراء التجارب الشتوية واختبار السيارات الجديدة استعدادًا للموسم الجديد، وهو شرفٌ تحظى به الحلبة، المتواجد في منطقة الصخير، مرةً أخرى في 2023.
بعد ذلك، لنتحدث عن حلبة كورنيش جدة، الحلبة “الأحدث” في العالم العربي، والتي استضافت سباقَين فقط، ولكنها أثبتت أحقية تواجدها في هذه البطولة مع سباقاتٍ مميزة بالفعل.
حلبة كورنيش جدة هي أسرع حلبة شوارع في الفورمولا 1، مميزة بالخطوط المستقيمة الطويلة، والمنعطفات متوسطة إلى عالية السرعة في المقطع الأول، والمنعطفات عالية السرعة في المقطعين الثاني والثالث.
تلك السرعات العالية في حلبة كورنيش جدة، إضافةً إلى كونها حلبة شوارع وبتواجد العديد من الجدران القريبة والحواجز، تجعل الخطأ غير مسموح في حلبة كورنيش جدة، وبالتالي نشهد كيفية ضغط كافة السائقين إلى أقصى الحدود، والاقتراب من تلك الحواجز بشكلٍ كبير، سعيًا لتسجيل أفضل التواقيت، وقد يترافق ذلك مع خطورة التعرض إلى حوادث بسبب عدم وجود هوامش للخطأ.
من جهةٍ أخرى، في السباقات، فإن حلبة كورنيش جدة استضافت جائزة السعودية الكبرى مرتين، وكان السباقان كلاسيكيان، الأول شهد معركة بين ماكس فيرشتابن ولويس هاميلتون، وسط منافسة أسطورية بينهما على ألقاب موسم 2021، وانتهى السباق بفوز هاميلتون.
في الموسم التالي، كان فيرشتابن ضمن دائرة المنافسة على الفوز أيضًا، ولكن هذه المرة ضد منافسه في فيراري شارل لوكلير، في معركةٍ مميزة مع تبادل المراكز وتير هوية متصدر السباق لفةً تلو الأخرى، ولم يُحسم الفوز لمصلحة فيرشتابن إلا عند اجتيازه خط النهاية بفارق نصف ثانية فقط أمام لوكلير! وهو أصغر فارق بين المركزين الأول والثاني طوال موسم 2022.
أما بالنسبة لحلبة لوسيل، فإنها تعتبر، كما هو الحال مع حلبة البحرين الدولية، من أقدم الحلبات في منطقة عربية، ولكنها كانت مخصصة لاستضافة بطولة العالم للدراجات النارية، ولم تحصل على فرصةٍ لاستضافة الفورمولا 1 إلا في 2021 إثر التغييرات التي شهدتها روزنامة ذلك الموسم بسبب تداعيات جائحة كوفيد-19.
ولكن، بخلاف العديد من الحلبات التي استضافت الفورمولا 1 بشكلٍ استثنائي بسبب كوفيد-19، إلا أن الإعلان عن جائزة قطر الكبرى جاء مع الإعلان عن صفقة تضمن استضافة قطر للفورمولا 1 للعديد من السنوات، وبعد غياب قطر عن البطولة في 2022 بسبب التركيز في استضافة كأس العالم لكرة القدم، فإن الفورمولا 1 ستعود إلى بلد ‘العنابي’ في 2023، أيضًا من حلبة لوسيل القطرية التي تعتبر من أكثر الحلبات المتطلبة على صعيد الارتكازية.
لا مجال للراحة في حلبة لوسيل، لا مجال للخطأ، هناك منعطفات متتالية منذ خط البداية وحتى اجتياز خط النهاية، خصوصًا المنعطفات المميزة (12، 13، 14) التي تجهد السائقين والسيارات وتدفعهم لاستخراج أقصى ما لديهم.
وفي النهاية، لدينا حلبة مرسى ياس، المميزة بالمارينا، واليخوت، والتي يُطلق عليها لقب “موناكو عربية” منذ انضمامها إلى استضافة جائزة أبوظبي الكبرى في 2009.
حسنًا، في بعض الأحيان لم تكن سباقات حلبة مرسى ياس مميزة، ولربما يوصف بعضها بالمضجر، رغم الكلاسيكيات في حسم لقب موسم 2010 لمصلحة سيباستيان فيتيل، وفوز هاميلتون بلقبه في 2014، ومن ثم فوز روزبرغ بلقبه العالمي الوحيد في 2016، كلها كانت سباقات لا تُنسى.
بعد نهاية موسم 2020، أعلن المنظمون إجراء تعديلات جذرية في تصميم بعض منعطفات الحلبة، وأثمر ذلك عن سباقان رائعان في 2021 و2022. من يمكنه نسيان اللفات الحاسمة من جائزة أبوظبي الكبرى في 2021؟ التي كانت الختام لمعركة خيالية بين هاميلتون وفيرشتابن، لم تُحسم سوى في اللفة الأخيرة ‘المثيرة للجدل’ والتي منحت فيرشتابن فوزه بلقبه العالمي الأول في مسيرته الاحترافية.
لا يمكن الحديث عن الجوائز الكبرى في عالمنا العربي بما فيه الكفاية، لا يمكن الحديث عن أهميتها، والتي تعكس ازدياد شعبية الفورمولا 1 في عالمنا العربي، وهو ازديادٌ يمكن ملاحظته بشكلٍ واضح عبر قنوات التواصل الاجتماعي.
بطبيعة الحال إذاً، لا بد من الحديث عن المشجعين العرب للفورمولا 1، الذين لا يمكن اعتبارهم مجرد مجتمع بسيط من الجماهير، وإنما أصبحنا جزءًا أساسيًا من هذه البطولة التي نعشقها جميعًا. نحن، أنتم، جميعًا لعبنا سببًا مفصليًا في ازدياد شعبية الفورمولا 1، وفي نشر ثقافة هذه البطولة المميزة، وأصبحنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي نجد أشخاصًا يشاركوننا الشغف والعشق.
لذلك، في ظل ذلك كله، لنبتعد عن التعصب. من الطبيعي أن يشجع كل أحدٍ منكم سائقًا أو فريقًا معينًا، ولكن ذلك لا يعني التصعب لمن تشجعونه مقابل الهجوم على بقية المشجعين.
لنتذكر، طوال الوقت، ما يجمعنا سويةً. يجمعنا تلك البطولة، المميزة بسياراتها عالية الدقة. تلك البطولة التي نعشق كافة تفاصيلها. نشجع فرقًا مختلفة، سائقين مختلفين، وقد تكون هناك اختلافات في هذا المجال، ولكن ما يجمعنا سويةً أسمى من ذلك.
نحن نعشق الفورمولا 1، لطالما عشقناها، وتابعنا خلال الأعوام الماضية تحوّل تلك عالمنا العربي من جزءٍ ‘هامشي’ في الفورمولا 1، ليصبح أحد أبرز دعائم البطولة. أليس من الأفضل الاحتفال بهذا النمو المذهل للفورمولا 1 في منطقتنا، بدلًا عن التطرق إلى الخلافات وانتشار التوتر بين مختلف المشجعين؟
أليس من الأفضل، مع احتفالنا بأربعة سباقاتٍ مميزة، في حلباتٍ تعتبر تحفةً فنيةً، أن نشعر بالفخر بأننا مشجعين عرب للفورمولا 1؟
الآن، ومع اقترابنا من موسم 2023، ومع اقترابنا من سباقاتٍ مميزة بالفعل بين أفضل السائقين في العالم، آمل أن نستمتع سويةً بهذا الموسم، وأن نثبت للجميع ما الذي يجعل منطقة عربية مميزةً في عالم الفئة الملكة لرياضة المحركات…